فصل: (مسألة: غصب عبداً فاصطاد)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: رتفاع ثمن المتاع المغصوب ثم نقصه]

وإن غصب قميصاً قيمته عشرة دراهم، فلبسه وأبلاه حتى صارت قيمته خمسة دراهم، ثم زاد السعر، فصار باللبس يساوي عشرة.. ففيه وجهان:
أحدهما قال ابن الحداد: يقوم، وليس بلبيس في هذا الوقت، ثم يقوم لبيساً، فيلزمه ما بين القيمتين.
فعلى هذا: يلزمه أن يدفع مع القميص عشرة؛ لأنه لو كان غير لبيس في هذه الحالة.. لكانت قيمته عشرين، وقيمته الآن عشرة، فلزمه عشرة.
والثاني ـ وهو قول أكثر أصحابنا، قال القاضي أبو الطيب: وهو الصحيح ـ: أنه يلزمه أن يرد مع القميص خمسة لا غير؛ لأن ذلك هو القدر الذي تلف باللبس، وزيادة السعر بعد تلف الأجزاء لا اعتبار بها، كما لو غصب قميصاً قيمته عشرة، فتلف، ثم زاد السعر، فصار القميص يساوي عشرين.. فإنه لا يلزمه إلا عشرة، فكذلك هذا مثله.
وإن غصب قميصا يساوي عشرة، فزاد السعر، فصار يساوي عشرين، فلبسه وأبلاه حتى صار يساوي عشرة.. لزمه رده، ويرد معه عشرة؛ لأن زيادة السعر مضمونة مع التلف.
وإن غصبه، وهو يساوي عشرة، فلبسه وأبلاه حتى صار يساوي خمسة، ثم نقص السعر، فصار جديده يساوي خمسة، ولبيسه يساوي درهمين ونصفا.. لزمه رد ما بقي من القميص، ولزمه أن يرد معه خمسة، وهي قيمة ما تلف في يده، ولا اعتبار بالنقصان الذي حدث بعد تلف الأجزاء.

.[مسألة: غصب سمينة فهزلت]

إذا غصب جارية سمينة، ثم هزلت في يده.. ردها، وأرش ما نقص بالهزال في يده بلا خلاف، وقد مضى. فأما إذا غصب جارية مهزولة، فسمنت في يده، ثم هزلت، أو تعلمت في يده قرآنا، أو علما، أو شعرا، أو صنعة، فزادت قيمتها بذلك، فسمنت، فنقصت قيمتها بذلك.. ردها، ولزمه أرش ما نقصت، وبه قال أحمد.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (لا يجب عليه أرش ما نقصت، إلا أن يطالبه بردها في حال زيادتها، فلا يردها).
دليلنا: أنها زيادة في العين المغصوبة، فضمنها الغاصب، كما لو طالب بردها، فلم يردها، ولأن استدامة الغصب كابتدائه، والغاصب في كل حال مأمور برد العين المغصوبة، فإذا لم يردها.. كان بمنزلة المبتدئ للغصب.
فعلى هذا: إذا غصبها وهي تساوي مائة، فسمنت في يده، وبلغت قيمتها ألفا، ثم هزلت، وعادت قيمتها إلى مائة.. لزمه ردها، ويرد معها تسعمائة؛ لأجل نقص السمن، فإن كانت بحالها، فسمنت، فبلغت قيمتها ألفا، وتعلمت صنعة، فبلغت قيمتها ألفين، ثم هزلت، ونسيت الصنعة، فعادت قيمتها إلى مائة.. فإنه يردها، ويرد معها ألفا وتسعمائة، فإن بلغت بالسمن ألفاً، فهزلت، وعادت قيمتها إلى مائة، ثم تعلمت صنعة، فبلغت ألفا، ثم نسيتها، فعادت إلى مائة.. ردها، وألفا وثمانمائة؛ لأنها نقصت بالهزال تسعمائة، وبنسيان الصنعة تسعمائة.
وإن غصبها وهي تساوي مائة، فزاد السعر، فصارت تساوي ألفا، ثم نقص السعر، فصارت تساوي مائة، ثم سمنت، فصارت تساوي ألفا، ثم هزلت، فصارت تساوي مائة.. لزمه ردها وتسعمائة، وهو قيمة السمن، لا زيادة السوق، فلو ماتت الجارية في هذه الحالة.. لزمه ألف وتسعمائة؛ لأنه أكثر ما كانت قيمتها من حين الغصب إلى حين التلف مع غرم السمن.
وإن غصبها وقيمتها مائة، فزاد السعر، فصارت تساوي ألفا، ثم نقص السعر، فصارت تساوي مائة، ثم ماتت الجارية.. لزمه قيمتها ألف، وهو أكثر ما كانت قيمتها من حين الغصب إلى حين التلف، وإن زادت ونقصت مراراً، ولا تجاوز الزيادة ألفا، ثم ماتت.. لم يلزمه أكثر من ألف؛ لأن ذلك أكثر ما كانت قيمتها.

.[فرع: غصب هزيلة فسمنت]

وإن غصبها وقيمتها مائة، فسمنت في يده حتى بلغت قيمتها ألفا، ثم هزلت، فعادت قيمتها إلى مائة، ثم سمنت، فعادت قيمتها إلى ألف.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ـ: أنه يردها، ولا شيء عليه؛ لأنه زال
ما أوجب الضمان، فهو كما لو جنى على عين، فابيضت، ثم زال البياض.
والثاني ـ وهو قول أبي سعيد الإصطخري، وهو الصحيح ـ: أنه يردها، ويرد معها تسعمائة؛ لأن السمن الثاني غير الأول، فلا يسقط به عنه ما وجب عليه بنقصانها بذهاب الأول، كما لو غصبها وهي مهزولة تساوي مائة، فسمنت حتى بلغت ألفا، ثم هزلت حتى عادت إلى مائة، ثم تعلمت صنعة، فعادت قيمتها ألفا.. فإنه لا يسقط عنه ما نقصت بالهزال.
وإن غصبها وقيمتها مائة، فسمنت في يده وبلغت قيمتها ألفا، ثم هزلت، وعادت قيمتها إلى مائة، ثم سمنت، فعادت إلى ألف، ثم هزلت، فعادت إلى مائة.. فعلى الوجه الأول: يردها، ويرد معها تسعمائة لا غير، وعلى الوجه الثاني: يردها، ويرد معها ألفا وثمانمائة.
قال القاضي أبو الطيب: وهذان الوجهان مأخوذان من القولين فيمن قلع سن من قد ثغر، ثم عادت، ففي أحد القولين لا يلزمه الأرش، وفي الثاني يلزمه.
وإن غصب جارية قيمتها مائة، فتعلمت في يده سورة من القرآن، أو شعراً، أو صنعة، فبلغت قيمتها ألفاً، ثم نسيت ذلك، فعادت قيمتها إلى مائة، ثم تعلمت ما كانت نسيته، فعادت قيمتها ألفا.. فقد قال الشيخ أبو حامد: هي كالسمن، فتكون على الوجهين.
وقال ابن القاص، والقاضي أبو الطيب، وابن الصباغ: يسقط عنه الضمان، وجها واحداً؛ لأن القول في السمن الثاني: أنه غير الأول، له وجه، وأما القرآن المحفوظ ثانياً، أو الشعر، أو الصنعة.. فهو الأول؛ لأنها تعود إلى العلم الذي كانت تعلمه أولا.

.[فرع: ضمان الحامل المغتصبة]

وإن غصب جارية حاملاً.. ضمنها، وضمن ولدها، وكذلك إن غصبها حائلا، فحملت في يده، ثم تلف الولد في يده.. ضمنه، وبه قال أحمد.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (لا يضمن الولد).
دليلنا: أن كل سبب يضمن به الولد إذا كان منفصلا.. جاز أن يضمن به إذا كان متصلا، كالإحرام، ولأن الولد نماء ليس له، حصل في يده من أصل مضمون متعد به، فلزمه ضمانه، كولد الصيد في يد المحرم.
إذا ثبت هذا: فإن ألقت الأم الولد حياً، ثم مات.. لزمه قيمته أكثر ما كانت من حين الوضع إلى أن مات، وإن ألقته ميتاً.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو ظاهر النص ـ: أنه يجب عليه قيمته يوم الوضع لو كان حياً؛ لأنه ضمنه باليد قبل ظهوره، فضمنه بتلفه، كأمه.
والثاني ـ وهو قول أبي إسحاق ـ: أنه لا يجب عليه ضمانه؛ لأنه إنما يقوم عليه عند الحيلولة بينه وبين مالكه، وهو حال الوضع، ولا قيمة له في تلك الحال، فلم يجب عليه الضمان.

.[فرع: يضمن نقص المغتصب]

وإن غصب جارية ناهدة الثديين، فسقط ثدياها في يده، فنقصت قيمتها بذلك، أو غصب غلاما أمرد، فنبتت لحيته، أو كانت لحيته سوداء، فابيضت، فنقصت قيمته بذلك.. ضمن أرش النقص؛ لأنه نقص بسبب كان بيده، فلزمه ضمانه.

.[مسألة: ضمان غاصب العبد]

وإن غصب من رجل عبداً، فجنى حر على هذا العبد.. نظرت:
فإن قتله.. وجبت قيمته للمغصوب منه، وله أن يرجع بها على الغاصب، أو على الجاني، غير أنه إن رجع على الجاني.. رجع عليه بقيمته يوم جنى عليه، وإن رجع بها على الغاصب.. رجع عليه بقيمته أكثر ما كانت من يوم غصبه إلى أن قتل، فإن رجع على الجاني.. لم يرجع الجاني على الغاصب، وإن رجع على الغاصب.. رجع الغاصب على الجاني بقيمته يوم الجناية؛ لأن التلف حصل بفعله، فاستقر الضمان عليه.
وإن قطع الجاني يده.. وجب على الغاصب أكثر الأمرين من نصف قيمته، أو ما نقص بالقطع؛ لأن الجناية عليه، وهو في ضمانه كجنايته عليه، فاجتمع عليه ضمان اليد، والجناية، وأما الجاني: فلا يجب إليه إلا نصف قيمته يوم الجناية؛ لأنه لم يوجد منه غير الجناية من غير غصب، وللمالك أن يرجع على أيهما شاء، فإن اختار الرجوع على الجاني، وكانت نصف قيمته أكثر مما نقص بالجناية.. رجع عليه بنصف قيمته، ولا يرجع الجاني ولا المالك على الغاصب بشيء، وإن كان نصف القيمة أقل مما نقص بالجناية.. رجع المالك على الغاصب بما زاد على نصف قيمته، وإن اختار المالك الرجوع على الغاصب.. رجع الغاصب على الجاني بقدر نصف قيمة العبد؛ لأنه أتلفه، فاستقر الضمان عليه.

.[فرع: جناية عبد على عبد]

مغصوبمغصوبوإن جنى على العبد المغصوب عبد لآخر.. نظرت:
فإن قتله عمداً.. فالمالك بالخيار: بين أن يقتص من العبد القاتل، وبين أن يعفو.
فإن اقتص منه.. فقد استوفى حقه، ولا يرجع على الغاصب بشيء.
وإن عفا على مال، أو كانت الجناية خطأ.. فله أن يطالب الغاصب؛ لأنه ضمنه باليد، وله أن يطالب بحقه من رقبة العبد القاتل، غير أنه إن طالب الغاصب.. فله أن يطالبه بقيمة عبده أكثر ما كانت من حين غصبه إلى أن قتل، وإن طالب بحقه من رقبة القاتل.. فبأن يطالب سيده بأقل الأمرين من قيمة المقتول، أو قيمة القاتل، على الصحيح من القولين؛ لأنه لا يستحق عليه أكثر من ذلك.
فإن طالب الغاصب بقيمة عبده، فإن كانت قيمة القاتل أكثر من قيمة المقتول، أو مثلها.. فللغاصب أن يطالب بذلك من قيمة القاتل، وإن كانت قيمة المقتول أكثر.. لم يطالب الغاصب سيد القاتل إلا بقدر قيمة القاتل، على الصحيح من القولين.
وإن اختار مالك العبد مطالبة سيد القاتل، فإن كانت قيمة المقتول أقل من قيمة القاتل، وأخذ المالك قيمة عبده.. فقد استوفى حقه، ولا يرجع المغصوب منه ولا سيد القاتل على الغاصب بشيء، وإن كانت قيمة المقتول أكثر من قيمة القاتل.. لم يرجع عليه المغصوب منه إلا بقدر قيمة القاتل، على الصحيح من القولين، ثم يستوفي المغصوب منه تمام قيمة عبده من الغاصب؛ لأنه ضمنه باليد.

.[مسألة: ضمان جناية العبد المغصوب]

وإن غصب عبدا، فجنى العبد وهو في يد الغاصب على حر، أو عبد.. نظرت:
فإن قتله عمداً.. فولي المجني عليه بالخيار: بين أن يقتص، وبين أن يعفو على مال، فإن قتله.. كان للمغصوب منه أن يرجع على الغاصب بقيمة عبده أكثر ما كانت من حين الغصب إلى أن قتل؛ لأنه تلف بسبب كان في يده، فلزمه ضمانه، وإن عفا عنه على مال.. تعلق ذلك برقبته، وكان على الغاصب أن يفديه بأقل الأمرين من أرش الجناية، أو قيمة العبد القاتل؛ لأن تعلق الأرش برقبته نقصان حدث في العبد بيده، فضمنه؛ لأنه ضامن للعبد ولنقصانه.
وإن جنى على ما دون النفس، بأن قطع يد غيره، فإن كانت عمداً، واختار المجني عليه القصاص، فاقتص منه.. وجب على الغاصب ضمان اليد.
قال الشيخ أبو إسحاق: وفي قدر ما يضمنه وجهان:
أحدهما: أرش الجناية.
والثاني: ما نقص من قيمته بذلك.
وقال ابن الصباغ: يجب عليه ما نقص من قيمته بذلك، ولا يجب عليه الأرش، وجهاً واحداً؛ لأن اليد ذهبت بسبب غير مضمون، فأشبه إذا سقطت بأكلة.
وإن عفا عنه على مال، أو كانت الجناية خطأ.. كان على الغاصب أقل الأمرين من قيمة العبد المغصوب، أو أرش الجناية.

.[فرع: جناية عبد مغصوب أو مودع بقدر قيمته]

فإن جنى العبد المغصوب في يد الغاصب على رجل جناية أرشها قدر قيمته، أو أكثر منها، ثم مات العبد في يد الغاصب.. فللمغصوب منه أن يرجع على الغاصب بقيمه عبده، فإذا أخذها.. فللمجني عليه أن يطالب السيد بأرش جنايته؛ لأنها كانت متعلقة برقبة العبد، والقيمة بدل عن الرقبة، فإذا أخذ ولي الجناية الأرش من السيد.. قال ابن الحداد: فللسيد أن يرجع بذلك على الغاصب؛ لأن الأرش الذي أخذه المجني عليه من السيد استحقه بسبب كان في يد الغاصب، فكان من ضمانه.
ولو كان العبد وديعة عند رجل، فجنى على آخر جناية تستغرق قيمته، ثم إن المودع قتل العبد.. فللسيد أن يرجع على المودع بقيمة عبده، فإذا أخذها.. فللمجني عليه أن يطالب السيد بأرش جنايته؛ لأن القيمة بدل الرقبة، فإذا أخذ المجني عليه الأرش من السيد.. لم يكن للسيد أن يرجع بذلك على المودع؛ لأن العبد جنى، وهو غير مضمون عليه، بخلاف الأولى.
وإن جنى العبد وهو يد سيده على رجل جناية تستغرق قيمته، ثم غصبه غاصب، فجنى على آخر جناية تستغرق قيمته، فاسترد العبد من الغاصب، وطلب المجني عليهما الفداء، فسلم العبد للبيع، وبيع.. فإن ثمنه يقسم بين المجني عليهما نصفين؛ لتساوي حقيهما، وللسيد أن يرجع على الغاصب بالنصف الذي أخذه المجني عليه في يد الغاصب؛ لأنه انتزع من السيد بسبب كان في يد الغاصب، فلزمه ضمانه، فإذا أخذه السيد من الغاصب.. قال ابن الحداد: فللمجني عليه الأول أن يأخذه من السيد دون المجني عليه الثاني.
قال القاضي أبو الطيب: ووجهه: أن حق المجني عليه الأول تعلق بجميع الرقبة، وحق المجني عليه ثانياً لم يتعلق إلا بالنصف.
قال ابن الصباغ: وما ذكره القاضي لا معنى له؛ لأن حق الثاني تعلق أيضاً بجميع الرقبة، ألا ترى أن الأول لو أبرأه.. لاستحق الثاني جميع القيمة؟ قال: وإنما وجه ذلك عندي: أن الذي يأخذه السيد من الغاصب إنما هو عوض عما أخذه منه المجني عليه الثاني، فلا يتعلق به حقه، ويتعلق به حق الأول؛ لأنه بدل عن قيمة الجاني لا يزاحم فيه.
وإذا أخذه الأول من السيد.. لم يكن للسيد أن يرجع به على الغاصب؛ لأن استحقاقه بجناية كانت في يده لا في يد الغاصب، وهكذا: لو مات العبد في يد الغاصب.. وجبت عليه قيمته، وتقسم القيمة بين المجني عليهما، ويرجع المغصوب منه على الغاصب بنصف القيمة التي أخذها منه المجني عليه الثاني، ويكون ذلك للمجني عليه الأول دون الثاني، ولا يرجع السيد بذلك على الغاصب؛ لما ذكرناه.
ولو جنى العبد المغصوب في يد الغاصب على رجل، ثم قتل هذا العبد عبداً آخر عمداً.. فلسيد العبد المغصوب أن يقتص من العبد الذي قتل عبده، وليس للمجني عليه أن يمنعه من ذلك، كما قلنا في العبد المرهون إذا قتل، فإن عفا على مال، أو كانت الجناية خطأ.. تعلق حق المجني عليه بقيمة العبد؛ لأنها قائمة مقامه، فإذا أخذ المجني عليه أرشه من القيمة.. كان لسيد المغصوب أن يرجع بذلك على الغاصب؛ لما ذكرناه، وإن أراد السيد أن يعفو على غير مال، فإن قلنا: إن موجب قتل العمد القود لا غير.. كان له ذلك، وإن قلنا: إن موجبه أحد الأمرين من القود أو المال.. سقط القصاص، ولم يسقط المال؛ لأن حق المجني عليه تعلق به.

.[فرع: قتل العبد المغصوب الغاصب]

وإن غصب رجل عبداً، فوثب العبد على الغاصب، فقتله، ثم هرب إلى سيده، فإن كانت الجناية عمداً.. قال الصيمري: فإن عفا ورثة الغاصب عن القصاص والدية.. سقط الضمان عن الغاصب في المال، وإن قتلوه.. فعليهم قيمة العبد وكأنهم لم يسلموه، وكذلك لو طالبوا بالدية من رقبته.
وإن قتل العبد المغصوب سيده وهو في يد الغاصب.. ففيه وجهان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: للورثة أن يقتصوا منه، فإذا قتلوه.. استحقوا قيمته على الغاصب.. وبه قال أبو حنيفة؛ لأن جناية العبد المغصوب على الغاصب.
والثاني: من أصحابنا من قال: تكون الجناية هدراً؛ لأن ملك السيد ثابت عليه حال الجناية، فكانت جنايته عليه هدراً، كما قبل الغصب.

.[مسألة: غصب مالاً واتجر بذمته]

وإن غصب من رجل دراهم أو دنانير، فاتجر في ذمته، ونقد الدراهم والدنانير، وربح.. ففيه قولان:
أحدهما قال في القديم: (يكون الربح للمغصوب منه؛ لأنه نماء ماله، فهو كثمرة الشجرة، ولأنا لو جعلنا ذلك ملكا للغاصب.. لأدى ذلك إلى ارتفاق الغاصب بمال المغصوب منه بغير إذنه، فجعل ذلك ملكا للمغصوب منه بغير إذنه؛ لينحسم الباب).
والثاني: قال في الجديد: (هو ملك للغاصب؛ لأن ذلك ليس بمتولد من مال المغصوب منه، وإنما هو نماء ملك الغاصب، فهو كما لو غصب من رجل أرضا، وزرع فيها زرعاً).

.[مسألة: غصب عبداً فاصطاد]

وإن غصب من رجل عبدا، فاصطاد العبد صيدا في يد الغاصب.. كان الصيد ملكاً للمغصوب منه؛ لأن يد العبد كيد مولاه.
قال الصيمري: ولا يضمن الغاصب الصيد إلا أن يحول بين العبد وبين الصيد، وهل يجب على الغاصب أجرة العبد في المدة التي اصطاد فيها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه أجرته؛ لأنه حال بين سيده وبين منافعه.
والثاني: لا يجب عليه؛ لأن المنافع في هذه المدة صارت للمولى.
وإن أكره الغاصب العبد على الاصطياد، فاصطاد.. فهل يكون الصيد ملكا لمولى العبد؟ فيه وجهان حكاهما الصيمري.

.[فرع: غصب آلة الصيد يوجب أجرتها]

وإن غصب من رجل شبكته، أو شركه، أو سفينة، أو قوساً، فاصطاد بها.. فالصيد للغاصب؛ لأنه لا صنع للآلة، ويجب على الغاصب أجرة الآلة؛ لأنه حال بين مالكها وبينها.
وإن غصب منه جارحة معلمة، فأرسلها على صيد، فأخذته.. ففيه وجهان: أحدهما: أن الصيد للغاصب؛ لأنه هو المرسل للجارحة، فكان الصيد له، كما قلنا في الشبكة.
فعلى هذا: يجب عليه أجرة الجارحة إن كان يجوز استئجارها، كالفهد.
والثاني: أن الصيد للمغصوب منه؛ لأن للجارحة فعلا في أخذ الصيد، فكان الصيد لمالكها، كالعبد، بخلاف الشبكة، فإنه لا فعل لها في أخذ الصيد.
فعلى هذا: هل يجب للمغصوب منه أجرة الجارحة مدة اصطيادها؟ على الوجهين في العبد.

.[مسألة: غصب أرضا أو بذراً، فالنتاج للمغصوب منه]

إذا غصب من رجل بذراً، فبذره في أرضه، أو بأرض المغصوب منه.. فجميع ما خرج منه ملك للمغصوب منه.
وحكى المسعودي [في (الإبانة) ق\ 313] وجهاً آخر: أنه للغاصب، وعليه مثل البذر.
والأول أصح؛ لأن هذا عين مال المغصوب منه، فهو كالعبد الصغير إذا كبر، وهكذا الوجهان إذا غصب بيضاً، فصار فراخاً.. فالصحيح: أنه للمغصوب منه؛ لما ذكرناه، فإن نقص الزرع عن البذر، أو قيمة الفراخ عن قيمة البيض.. فعلى الغاصب ضمان النقص؛ لأنه نقص حدث في يده، فضمنه.

.[فرع: غصب عصيراً فانقلب حمراً]

وإن غصب من رجل عصيراً، فصار في يده خمراً.. لزمه ضمان العصير بمثله؛ لأنه تلف بيده بانقلابه خمراً، فإن انقلب الخمر بيده خلا.. لزمه رد الخل على المغصوب منه.
وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه رده، بل قد ملكه بالانقلاب بيده).
دليلنا: أن الخل عين مال المغصوب منه، وإنما تغيرت صفته، فهو كالودي إذا صار نخلا.
إذا ثبت هذا: فهل يلزمه مع رد الخل ضمان العصير؟ فيه وجهان:
أحدهما من أصحابنا من قال: يلزمه أن يرد مع الخل مثل العصير؛ لأنه قد لزمه ذلك بانقلابه خمراً، وإنما رجع الملك فيه إلى المغصوب منه بمعنى آخر، فلا يسقط عن الغاصب ما وجب عليه بانقلابه خمراً، كما قلنا في الجارية إذا سمنت في يد الغاصب، ثم هزلت، ثم سمنت.
والثاني: منهم من قال: لا يجب عليه مثل العصير، وهو الصحيح؛ لأنه عين ماله وإنما تغيرت أوصافه.
فعلى هذا: إن كانت قيمة الخل مثل قيمة العصير، أو أكثر.. فلا شيء عليه، وإن كانت قيمة الخل أقل من قيمة العصير.. لزم الغاصب ما بين القيمتين؛ لأن ذلك نقص بفعل حصل في يده.

.[مسألة: يضمن الغاصب النقص ولا شيء له في الزيادة]

وإن غصب من رجل ثوبا، فقصره، أو قطنا، فغزله، أو غزلا، فنسجه، أو ذهبا، فصاغه حليا.. لزمه رد ذلك على حالته؛ لأنه عين مال المغصوب منه، فإن نقصت قيمته بذلك.. لزم الغاصب ضمان ما نقص؛ لأنها نقصت بفعله، وإن زادت قيمتها بفعله.. فلا شيء للغاصب بفعله؛ لأنها زادت بأثر لا عين له فيها.
وأن غصب منه خشبة، فشقها ألواحاً.. لزمه رد الألواح؛ لأنها عين مال المغصوب منه، فإن نقصت عن قيمة الخشبة.. لزمه ضمان النقصان، وإن زادت.. فلا شيء له؛ لما ذكرناه، وإن سمر الألواح أبواباً، فإن لم يدخل الغاصب فيها شيئا من ماله، بأن سمرها ببعضها.. فإنه يردها مسمرة وأرش نقصها إن نقصت، ولا شيء له إن زادت، وإن سمرها الغاصب بمسامير من ماله.. فإن اختار قلع مساميره.. كان له ذلك؛ لأنها عين ماله، ولكن يضمن ما نقص من قيمتها بعد قلع المسامير؛ لأن المغصوب منه قد ملكها حال كونها أبوابا، فإذا أزالها عن ذلك.. لزمه الضمان، كما لو غصب غزلا، فنسجه تكة، ثم نقضها.
فعلى هذا: إن كانت قيمة الأبواب وهي مسمرة مائة.. قيل: فكم قيمة الأبواب منها؟ وكم قيمة المسامير؟ فإن قيل: قيمة الأبواب تسعون، وقيمة المسامير عشرة.. نظرت: فإن نقصت الأبواب بعد تفصيلها عن التسعين.. ضمن ما نقصت عنها.
فإن بذل الغاصب المسامير للمغصوب منه... فهل يجبر على قبولها؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجبر؛ لأنها عين مال الغاصب، فلا يجبر المغصوب على قبول هبته، كسائر أمواله.
والثاني: يجبر على قبولها، وهو المنصوص؛ لأنها متصلة بماله، فلزمه قبولها، كقصارة الثوب.